ستة شروط ومجموعة من الرسائل الهامة حملها المقال الذى نشره الرئيس حسنى مبارك اليوم فى صحيفة نيويورك تايمز قبل ساعات من جلوس مبارك مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما والعاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى، والرئيس الفلسطينى محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو على مائدة إفطار واحدة اليوم فى واشنطن.
الشروط والرسائل تصب كلها فى اتجاه واحد، وهو تحقيق سلام دائم وشامل فى الشرق الأوسط بمناسبة انطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيلين فى واشنطن.
أما الرسائل، أن للسلام ثمن كان أكثره فداحة قتل الرئيس المصرى الراحل محمد أنور السادات على يد مجموعة من المتشددين ممن رفضوا السلام مع إسرائيل، وهى رسالة واضحة بأن من يريد السلام لا يجب أن ينظر إلى نفسه، بل إلى مستقبل بلده والإقليم الذى يحيا فيه، فالتضحية بالنفس قد تكون هى النتيجة والضحية مثلما حدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلى الراحل إسحاق رابين الذى مات على يد متطرف يهودى يرفض السلام، ولكن لا ينبغى أن نكون قصار النظر، بالسلام هو هدف أسمى من التضحية بشخص، حتى وإن كانت رئيس الدولة أو الحكومة.
الرسالة الثانية، أن مصر التى استضافت فى الماضى جلسات للمفاوضات بين الفلسسطينين والإسرائيلين، على استعداد لاستضافة الجوالات التالية من المفاوضات، وهنا يثار تساؤل: لماذا رفضت مصر استضافة الانطلاقة الأولى للمفاوضات المباشرة، وهو السؤال الذى رد عليه تفصيلاً السفير سليمان عواد المتحدث باسم رئاسة الجمهورية بأن مصر رفضت عرضا أمريكيا باستضافة انطلاقة المفاوضات إلا بحضور الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وبالتالى فإن مصر بتأكيد استعدادها على استضافة الجوالات التالية لا تكون قد تراجعت عن مبدأها الأساسى، وإنما الغرض من هذا أن وجود أوباما فى انطلاق المفاوضات فيه ضمانة على الأقل من جانب إلزام الإسرائيليين بما سيتم الاتفاق عليه من خطوط عريضة ستسير عليها أطقم التفاوض.
أما الشروط التى حددها الرئيس مبارك لنجاح هذه المفاوضات، فأولها إزالة العائق النفسى الناتج عن التأثير التراكمى لسنوات قال عنها مبارك انه ساد خلالها العنف وشهدت توسيعاً لنطاق المستوطنات الإسرائيلية، مما أدى إلى انهيار الثقة بين الجانبين.
ثانى هذه الشروط هو أن تكون المفاوضات مستندة للمرجعيات السابقة التى ناقشت العديد من قضايا الحل النهائى الممثلة فى اللاجئين والحدود والقدس والأمن، فلا يعقل أن تبدأ المفاوضات من نقطة الصفر كما تريد الحكومة الإسرائيلية.. والمباحثات السابقة التى أشار إليها الرئيس مبارك فى مقاله معروفة وممثلة فى عدد من المرجعيات الدولية التى تعبر أهمها خارطة الطريق التى التزمت بها السلطة الفلسطينية فى حين تجاهلتها تماما الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
كما أكد المقال على أن الشرط الثالث هو أن استمرار إسرائيل فى بناء المستوطنات الإسرائيلية سيهدم السلام من أساسه، لأنه كما قال مبارك فإن السلام والمستوطنات لا يتماشيان معاً، فالحل من وجهة نظر الرئيس مبارك هو مد فترة تجميد الاستيطان التى سبق أن حددها نتايناهو بالسادس والعشرين من سبتمبر الجارى، فليس معنى أن الفلسطينيين عندما قرروا الذهاب إلى المفاوضات المباشرة بدعم عربى أنهم تنازلوا على شرطهم الاساسى وهو وقف الاستيطان، وإنما الهدف من الذهاب الى واشنطن هدفه الاساسى هو إظهار ان يد العرب نحو السلام ممدودة، لكنها مرتبطة بمجموعة من الشروط التى يجب توافرها، وأن العرب واثقون فى الإدارة الأمريكية الحالية التى تحظى بقدر من الاحترام العربى على عكس حالة الغضب التى كانت تنتاب العرب من إدارة بوش السابقة، وبالتالى فإن رسالة العرب لأوباما والتى أوصلها الرئيس مبارك نيابة عنهم أن وقف الاستيطان لس منحة تقدمها اسرائيل لفلسطين وإنما هو شرط أساسى للولوج فى المفاوضات
الشرط الرابع التى تحدث عنه الرئيس أن تحقيق السلام لن يتم إلا بمصالحة ووئام فلسطينى داخلى، وهذا الأمر بقدر ما هو شرط فإنه رسالة من مبارك للإسرائيلين والأمريكان على حد سواء، ممن أرادوا عزل حركة حماس التى وصفها مبارك فى مقاله بالمتحكمة فى قطاع غزة، فعزل أى من الفصائل الفلسطينية لن يفضى إلى السلام المأمول، وبالتالى وكما قال مبارك فإن الفلسطينيين لن يتمكنوا من صنع السلام طالما أن جبهتهم مقسمة.
الشرط الخامس أن المفاوضات لا يجب أن تكون قاصرة على الضفة الغربية والقدس وبقية المناطق الرابع من يونيو 1967، مع تجاهل قطاع غزة الذى أراد له رئيس الوزراء الإسرائيلى ارئيل شارون أن يخرجه من داخل الدائرة الفلسطينية بقرار الانسحاب الفردى، الذى نتج عنه لاحقا حصار إسرائيل على القطاع شمل الأرض والبحر والجو، وهذا الشرط وضح من حديث مبارك عن أنه إذا تم عزل غزة من إطار السلام فأنها ستظل مصدر للصراع، وفى نهاية المطاف ستقوض الاتفاق النهائى.
الشرط السادس الذى طرحه مبارك هو أنه لتحقيق الامن لكل من الدولة الفلسطينية المستقبلية ولإسرائيل، فأن الأمر يتطلب وجود قوات دولية فى الضفة الغربية يجرى نشرها لمدة يتفق عليها من قبل الأطراف يمكنها أن تمنح كليهما "الفلسطينيين والإسرائيليين" الثقة والأمن اللذين ينشدانهما، ولا تبدو هذه الفكرة جديدة، حيث سبق أن طرحته بعض الأطراف الدولية والإقليمية على استحياء، خوفاً من أن يثير هذا المقترح ضجة، لكن بعد دراسة مصرية متعمقة فى الأمر انتهى إلى أن الحل فى نشر هذه القوات على أن تكون خاضعة لسيطرة الأمم المتحدة، مع إمكانية البحث فى شروط يجرى تطبيقها على الجنود المشاركين فى هذا القوات، فى ظل المخاوف الفلسطينية أن يكون من ضمن هذه القوات عناصر يهودية تؤثر على وضعية القوات.